كيف تبدو الضاحية بعد 10 أشهر من الحرب: “لا نريد الموت ولكن لا نخافه”؟

حقيبة الأموال والأوراق الثبوتية جاهزة، ملابس موضبة في مكان بمتناول اليد سريعاً، سيارة “مفولة” بالبنزين، بضعة صناديق معلبات في صندوق السيارة، الهاتف مشحون دائماً… هذه التجهيزات أصبحت روتيناً يومياً عند اللبنانيين، لا سيما سكان الضاحية الجنوبية، بسبب الحرب الدائرة في الجنوب منذ 10 أشهر واحتمال توسعها بعد التصعيد الأخير الذي بدأ منذ اغتيال القيادي في “حزب الله” فؤاد شكر في حارة حريك. بالاضافة إلى ذلك يسود خوف لدى البعض من الهزات الأرضية، بسبب الهزات الخفيفة التي يشعر بها لبنان ومركزها دول مجاورة كسوريا.

الضاحية اليوم ليست كما في السابق، على الرغم من وجود زحمة السير الا أنها أقل من ذي قبل، المحال التي كانت تبقى مفتوحة إلى ساعات متأخرة من الليل، أصبحت تقفل باكراً، والروح التي تتمتع بها الضاحية أصبحت مفقودة كأن أهلها لا يتواجدون فيها الا للضرورة.

يتابع أهل الضاحية الأخبار بشغف، يحزنون على مشاهد القصف الاسرائيلي وارتقاء الشهداء، ويهللون لعمليات المقاومة، ولم يعد جدار الصوت يفاجئ أحداً بل عندما يسمعون صوت الطيران الحربي تراهم يخرجون هواتفهم علهم يلتقطون لحظة خرق الجدار بالفيديو. وينتظرون بفارغ الصبر اعلان المقاومة الرد على عملية الاغتيال في الضاحية، على الرغم من أنهم كما غيرهم من اللبنانيين لا يتمنون الحرب، ولكن العدو الاسرائيلي تخطى الحدود ويجب تأديبه، وتزعجهم خطابات القوى السياسية المناهضة للمقاومة، ويرون فيها استسلاماً أمام العدو، بينما لبنان لم يعد ضعيفاً كما كان قبل المقاومة. يستفزهم كلام الكراهية من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، من اللعب على وتر ثقافة الموت مقابل ثقافة الحياة، إلى الجملة الشهيرة “ما بيشبهونا”، وأكثر ما يثير حفيظتهم هو كلام بعض الناشطين عن رفض استقبال النازحين في حال وقعت الحرب، ولكن ليس من منطلق أنهم بحاجة الى ملاجئ في مناطق هؤلاء إنما من منطلق من طلب منهم أصلاً؟ ويتداولون القول “يروحو يشبعو حالهم”. أما بالنسبة الى ثقافة الحياة وثقافة الموت فيعيدون التأكيد أن الفكرة هي “لا نريد الموت ولكن لا نخافه” وتفضيل الموت على العيش بذل، ولا أحد يريد الموت، انما كل ما في الأمر أنهم مستعدون للموت من أجل قضاياهم، ويؤكدون أن هذا الأمر ليس محصوراً بالشيعة أو بيئة المقاومة وحسب، فكل اللبنانيين في مرحلة من المراحل كانوا مستعدين للموت من أجل ما يعتبرونها قضيتهم، والحملة القائمة هي لعب سياسي من بعض الطارئين على السياسة. أما لجهة حملة “ما بيشبهونا” فيذكرون مواقف عديدة يعتبرون أنها ارتهان من الخصوم للخارج ويقولون “الحمد لله أننا لا نشبههم”.

لا يخاف رجال الضاحية على حياتهم، ولكن الخوف هو على أهلهم وأطفالهم، ولذلك يقومون بالتحضيرات المناسبة لتأمين سلامتهم في حال وقوع حرب، ويؤكدون استعدادهم لفداء البلد بدمائهم اذا احتاج الأمر.

تدور في مقاهي الضاحية ولا تسمع الا حديثاً عن الحرب والاستعدادات لها، أو الترحم على شهيد يكون أحد الحاضرين يعرفه، وعلى الرغم من ذلك الحياة مستمرة، هذا يلعب الورق وذاك الطاولة، وآخرون يحتسون القهوة أو النسكافيه أو الشاي ويتسامرون.

وتجد في المقاهي تنوعاً بين قناعات روادها، البعض يعبّر عن إحباطه من الاستهدافات الاسرائيلية، والبعض الآخر يشيد بحكمة المقاومة، وغيرهم متذمر من وضع البلد وغياب الكهرباء والمياه، وفعلياً لا أحد يأبه بموضوع رئاسة الجمهورية والفراغ، ولا يتذكرون أصلاً أن لا رئيس للجمهورية في البلد!

حالة الحرب ليست غريبة على أهالي الضاحية، فهم عاشوها في التسعينيات وفي حرب تموز، وأحاق بهم الخطر في فترة التفجيرات الارهابية، وهم كما في حالة اليوم استعدوا حينها لكل هذه المخاطر، لأنهم لم يشعروا يوماً بوجود الدولة الا حينما كانت تحضر لتحصيل الضرائب أو لتنظيم محاضر ضبط بالسيارات والدراجات النارية، بينما تبدو ضعيفة من جهة الأمن والرعاية الاجتماعية وتأمين الأساسيات.

محمد شمس الدين- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة