المفاوضات “ميّتة”: المحور يحسب للمعركة الكبرى

انتهت المفاوضات حول وقف إطلاق النار في غزة قبل أن تستكمل، بالنسبة إلى حزب الله. في الأساس لم يكن الحزب قد بنى آمالاً على إمكانية نجاحها. فهو يعتبر أن بنيامين نتنياهو لا يريد وقف الحرب ولا وقف إطلاق النار الدائم. يرتكز الحزب في قراءته على مواقف نتنياهو ومنهجيته، وعلى كلمة مفتاحية قالها في خطابه أمام الكونغرس الأميركي، بأنه سيواصل الحرب إلى حين “القضاء” على الراديكالية والواقع العسكري في غزة. وهذا يعني أن الحرب ستكون طويلة وتحتاج إلى سنوات. يعتبر حزب الله أن الولايات المتحدة الأميركية لا تزال توفر الغطاء الكامل لنتنياهو، على الرغم من تراجعه في أكثر من مرّة عن ما تم الاتفاق عليه مسبقاً، بما في ذلك المقترح الذي وافقت عليه الحركة في 2 تموز 2024.

شروط استسلام
في جولة المفاوضات الأخيرة في قطر، جدد الإسرائيليون فرض شروطهم بعدم الانسحاب من محور فيلادلفيا، ومعبر رفح، ومعبر نتساريم. أي عدم الإنسحاب العسكري من قطاع غزة، بينما تتمسك حركة حماس بهذا المطلب. رفضت حماس هذه الشروط بشكل كامل واعتبرتها تغييراً لما كان قد اتفق عليه سابقاً، ووصفت ما يجري بأنه وضع شروط استسلامية على الحركة. في المفاوضات التقنية التي شهدتها القاهرة بين الجيش المصري ووفد من الجيش الإسرائيلي والشاباك لم يتم الوصول إلى أي اتفاق بِشأن محور فيلادلفيا، إذ أصر الإسرائيليون على بقائهم هناك. ما يعني عدم تحقيق أي تقدم في المفاوضات، وهو ما سينعكس سلباً على جولة التفاوض في القاهرة التي ستعقد خلال اليومين المقبلين.
بالتزامن مع وصول وزير الخارجية الأميركية أنطوني بلينكن إلى إسرائيل، سُرِّبت المقترحات الأميركية الإسرائيلية لوقف إطلاق النار. وهي لا تلحظ أن يكون وقف إطلاق النار دائماً، بل تبقي التفاوض حول ذلك للمرحلة الثانية من إنجاز الاتفاق. وهذا يعني اللجوء إلى الموافقة على المرحلة الأولى من الهدنة لمدة 6 أسابيع يُطلق خلالها سراح الأسرى، وبعدها يواصل نتنياهو الحرب والعمليات العسكرية، ويستكمل التفاوض تحت الضغط العسكري حول وقف إطلاق النار الدائم. وهذا ما رفضته حركة حماس بشكل كامل. وينص المقترح أنه يتم التفاوض حول وقف إطلاق النار لفترة محددة، خصوصاً أن نتنياهو لا يزال يطالب بالحصول على تعهد أميركي بدعمه لمواصلة الحرب بعد الهدنة. كما أن الاتفاق ينص على مراقبة إسرائيلية لعمليات إدخال المساعدات، وتمسك إسرائيل بمراقبة وتفتيش الفلسطينيين الذين سيعودون من الجنوب إلى الشمال عبر معبر نتساريم الذي يقسم القطاع إلى قسمين. كما عادت إسرائيل ورفعت عدد الأسرى الذين تطالب بإبعادهم إلى 150 أسيراً، ورفضت التفاوض على إعادة الإعمار، وطلبت تأجيله إلى المرحلة الثانية. كما أن المقترح لا يتضمن أي إشارة لانسحاب إسرائيل من القطاع في المرحلة الثانية من الاتفاق أو الهدنة.

خلافات واتهامات
كل هذه الشروط رفضتها حماس، واعتبرت أنها شروط استسلامية، وأن نتنياهو يريد أن يكرّس في المفاوضات والسياسة والاتفاق ما يسعى إلى تحقيقه بالحرب والعمليات العسكرية. هذه الشروط أيضاً أججت الخلاف في إسرائيل بين نتنياهو ووزرائه والجيش، وصولاً إلى تهديد رئيس الأركان بالاستقالة في حال عدم الموافقة على الصفقة. خصوصاً أن الجيش الإسرائيلي قدم تقريراً للحكومة بأنه لا حاجة للتمسك بالبقاء في محور فيلادلفيا بل يمكن العودة إليه في الوقت الذي تريده، لكن نتنياهو رفض ذلك، وأصر على البقاء في المحور. كذلك وزير الدفاع يوآف غالانت وجه اتهامات لنتنياهو بأنه هو الذي يعرقل الصفقة.
بعد اجتماع نتنياهو وبلينكن، اختار رئيس الوزراء الإسرائيلي تحميل حركة حماس مسؤولية عرقلة المفاوضات وإجهاض الاتفاق، خصوصاً أن حماس كانت قد أصدرت موقفاً واضحاً عبّرت فيه عن رفضها لتلبية الشروط، واعتبرتها خروجاً عن الاتفاق الأساسي. اتخذ نتنياهو من بيان حماس فرصة لتحميلها مسؤولية العرقلة، علماً أن وزراءه كانوا يوجهون الاتهامات إليه بعرقلة هذه المفاوضات.

الحزب وإيران
أمام هذه الوقائع، فإن كل المؤشرات تبدو سلبية حيال الوصول إلى اتفاق في المفاوضات المرتقبة في القاهرة. حزب الله لا يبدو متفائلاً، ولا يزال يرفع معادلته المعروفة، أولاً منع حسم المعركة عسكرياً ومنع القضاء على حماس. وثانياً تنفيذ ضربة قوية رداً على استهداف الضاحية. يرفض حزب الله القول إنه عمل على تأجيل ضربته بانتظار نتيجة المفاوضات. وتقول مصادر قريبة منه، لم يقدّم الحزب أي موقف بهذا الصدد، بل مسألة الردّ ترتبط بحسابات الميدان. ولكن في الاستنتاج السياسي وبالنظر إلى المفاوضات الأميركية مع إيران والمساعي لخفض التصعيد، يمكن الوصول إلى خلاصة بأن إيران والحزب انتظرا نتائج المفاوضات لاتخاذ قرار بشأن الردّ.

في هذا السياق تشير مصادر قريبة من الإيرانيين إلى أن طهران لا تزال تنتظر انتهاء جولة المفاوضات الثانية، وتعطي مهلة حتى نهاية الأسبوع قبل تنفيذ ردّها. أما بالنسبة إلى حزب الله، فالمصادر القريبة منه تؤكد أنه لا يربط ردّه بالمسار التفاوضي. وتؤكد مصادر قريبة من الحزب أنه سيعمل على تنفيذ ردّ قوي، وهو سيكون -كما تصفه- “ليس رداً رمزياً، ونريد رداً نتمكن من خلاله تحقيق إصابة مباشرة، وردنا سيكون قوياً ومحسوباً، ويمنع إسرائيل من تكرار ما فعلته، وحزب الله لا يتحمل تكرار ما جرى في الضاحية، الحزب لا يريد الحرب ولكن في حال أرادها نتنياهو فنحن جاهزون لها، ولم يُترك للحزب أي خيار لعدم الردّ، وبالتالي المسألة ترتبط بالميدان وحساباته.” وبحال أعطى الحزب المهلة لإنجاح المفاوضات فالمهلة انتهت، والمفاوضات انتهت قبل أن تبدأ.

ولو معركة كبرى
وتؤكد المصادر أن المسألة ترتبط في الميدان وحساباته، وتعطي مثالاً على ذلك قائلة: “في العام 2006 وعندما أراد حزب الله تنفيذ عملية الأسر كان القرار متخذ قبل 7 أشهر، وجرت محاولة في الغجر في شهر آذار 2006 ولكنها لم تنجح، واستمرت حسابات الميدان بانتظار الوقت المناسب والذي جاء في تموز. وبالتالي، الوقت مسألة ثانوية في هذا المجال، والردّ بالتأكيد قائم ولا مجال للتراجع عنه”.

وتضيف المصادر: “كل ما نقوم به هو منع القضاء على المقاومة في غزة، أي أن تبقى حماس كبنية عسكرية وبنية مقاومة، وأن يكون الحلّ مع حماس ولا يستثينها أو يكون على حسابها. وأيضاً تكرار ما جرى مع حزب الله في العام 2006. والأهم أن حماس ستكون قادرة على ترميم نفسها وإعادة هيكلة جسمها العسكري والحفاظ على منظومة القيادة والسيطرة بغض النظر عن القيادات التي تم اغتيالها. وهذا مبدأ أساسي في هذه المعركة ولو كان سيؤدي إلى حرب كبرى أو واسعة”.

منير الربيع- المدن

مقالات ذات صلة