لا سيناريو أميركياً واضحٌ : كيف ستتصرف الولايات المتحدة مع أي ضربة متوقّعة… وماذا عن «اليوم التالي»؟
ترقب لكيفية «دوزنة» الرد
اللقاءات الدبلوماسية والسياسية والعسكرية الغربية في لبنان لبحث مستقبل الوضع اللبناني في ظل التهديدات الإسرائيلية تفضي إلى نتيجة واحدة: ثمة قراءة موحّدة حول مستوى الخطر الذي يواجه لبنان، وحول رفع مستوى التأهب الغربي، لكن من دون التوصل إلى احتمالات واقعية حيال ما سينتج عن هذه التطورات.هذا الكلام في اللقاءات اللبنانية – الغربية، يستكمل ما يقال أميركياً، بأن لا سيناريو واضحٌ حول اليوم التالي لرد حزب الله والرد الإيراني على اغتيال القيادي في الحزب فؤاد شكر ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية. وهو ما تتفق على توصيفه دوائر أميركية، عسكرية وسياسية، وعلى عدم وجود خريطة واضحة لما قد يحصل، ليس في لبنان فحسب، إنما في المنطقة كلها.
ثمة أسئلة تراوح بين الحدود الدنيا والقصوى للاحتمالات المطروحة، بدءاً من السؤال الأول حول حقيقة ما تريده واشنطن، وهل تسعى من وراء حجم الضغط الذي تمارسه إلى تقزيم الدور الإيراني وتقليص نفوذه فحسب، أم المسّ بالنظام الإيراني؟ الثابت حتى الآن أن الخيار الأول أكثر واقعية، بدليل الاتصالات القائمة، وتحديد واشنطن ثوابت لا تقبل التراجع عنها في إطار ترتيب الوضع الإقليمي، تتعلق بدور إيران في دول المنطقة. لكن وقوف الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل، عسكرياً وسياسياً في الرد على أي ضربة إيرانية، يزيد من عوامل الترقب لبلورة رؤية الولايات المتحدة للمنطقة في حال توسّعت الحرب، بما يشمل كل الساحات التي تعمل فيها إيران، ويثير أسئلة عن إمكان تبدل النظرة الأميركية إلى واقع النظام الإيراني من دون المس به، بعد التغيّرات التي شهدها عقب انتخاب الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان، ولكنها بـ «تشذيبه» عبر فرض خطوط حمر على حلفائه. والسؤال الأكثر حساسية وقلقاً: كيف ستتصرف الولايات المتحدة مع أي ضربة متوقّعة؟ وإذا كانت في المرة الأولى، في نيسان الفائت، حشدت حلفاء لها ولإسرائيل خلف الرد الإسرائيلي في وجه الضربة الإيرانية وجعلت إيران تنكفئ قليلاً، فكيف الحال اليوم، مع السؤال الاستطرادي الناتج عن نقاشات أميركية: هل يشمل رد الولايات المتحدة أو أي حلفاء لها للدفاع عن إسرائيل رد حزب الله على عملية اغتيال شكر؟ وهنا ينتقل لبنان والمنطقة إلى مستوى مختلف من الصراع.
السؤال الثاني: كيف سيتبلور دور روسيا بعد حركتها تجاه إيران، ليس بوقوفها إلى جانب طهران، إنما في النصائح التي يمكن أن تعطيها في إطار تخفيف الأثقال والأضرار التي قد تنجم عن تحول سريع في الوضع في المنطقة وتضرر إيران والدول المجاورة منه؟ والدور الروسي، كما هو واضح، لا ينحصر في تقديم الدعم وهو محدود في نظر الغرب، إنما في إعطاء نظرة أشمل، من جانب حليف لإيران، عن كيفية إدارة الصراع في المنطقة، بما لا يؤدي إلى خطوات ناقصة تشعل فتيل التفجير الواسع. والنصائح الروسية تأخذ في الاعتبار الصورة الأشمل من واشنطن إلى تل أبيب، واستطراداً التعامل بجدية مع المحاذير المطروحة والضغط الإسرائيلي لنقل المعركة من مرتبة إلى أخرى.
ترقب لكيفية «دوزنة» الرد واحتساب كل ما يستتبعه لأن إيران كذلك لا تملك سيناريو اليوم التالي
السؤال الثالث يتعلق بمصلحة إيران أولاً وحزب الله ثانياً في التعامل مع التطور العسكري عبر الموازنة بين صدقية وعودهما بالرد، وعدم التماهي مع الرغبة الإسرائيلية في الانجرار إلى حرب واسعة في ظل الحشد الغربي الحالي، وما بينهما درس دقيق لموازين الربح والخسارة مع تأمين خلفية إقليمية غير معادية وقت اندلاع المواجهة، ولا سيما في الدول المجاورة لإسرائيل، ما يجعل الترقب قائماً لكيفية «دوزنة» الرد مع احتساب كل ما يستتبعه، لأن إيران كذلك لا تملك سيناريو اليوم التالي، ولا سيما أن عامل الثقة بأن واشنطن وإن كانت لا تريد «إعلامياً» الحرب الواسعة، لكنها حتى الآن تغطي مفاعيلها المرتقبة من دون تمييز بين ديمقراطيين وجمهوريين.
في هذه الصورة، يبقى الحديث الأميركي والأوروبي كذلك، عن الأخطاء التي يمكن أن تشعل حرباً بغضّ النظر عن أي توازنات وتحركات مدروسة للجم توسّع الحرب، لأن أي رد عسكري، من أي جانب، يحمل في طياته مفاتيح فشل أو نجاح، وثغرات يمكن أن تتحول في لحظة إلى أخطاء قاتلة. وهنا يكمن القلق من تدحرج الضربات المتبادلة في شكل دراماتيكي من دون أن تنجح أي دولة فاعلة في لجمها.
هيام القصيفي-الاخبار