“التيار الوطني الحر” يتآكل من الداخل… فهل بلغ النهاية؟

كاتب سياسي يتوقع أن يكون تآكل “التيار الوطني الحر” الداخلي أكثر بعد قرارات الفصل الأخيرة، باستثناء بقاء نواة صلبة تؤمن بالعماد ميشال عون، لكنها ستبقى قلة قليلة.

لم يتفاجأ أحد بقرار فصل النائب آلان عون من “التيار الوطني الحر”(ابن شقيقة مؤسس التيار ميشال عون الرئيس السابق للجمهورية) حتى “المفصول” نفسه، كونه كان متوقعاً منذ فترة بانتظار التوقيت، لكن القرار اكتسب أهمية نظراً إلى ما سيرتبه من تداعيات على “التيار” لن تكون إيجابية، فضلاً عن إظهاره الحالة الانقسامية التي بات عليها ما كان يعرف سابقاً بالحزب الأقوى مسيحياً. وقد يكون أول التداعيات السلبية ما كشفه مصدر نيابي مقرب من “التيار” عن استعداد النائبين إبراهيم كنعان وسيمون أبي رميا لتقديم استقالتيهما في خطوة استباقية وتضامناً مع زميلهما النائب عون، وتشكيل تكتل نيابي مستقل يضمهما مع نائب رئيس مجلس النواب النائب إلياس بو صعب الذي سبق وصدر قرار فصله لكن الإعلان الرسمي جاء في مذكرة الفصل نفسها التي خصصت للنائب آلان عون. وعلى رغم تأكيد المقربين من رئيس “التيار” النائب جبران باسيل ألا تأثير لقرارات الفصل في قوة الحزب الذي لن يضعف، يسأل كثر عن مدى تأثير ما حصل على تفاهمات “التيار” السياسية خصوصاً مع “حزب الله” ومحاولات التقارب مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، على قاعدة حاجة “الثنائي الشيعي” (حزب الله وحركة أمل) إلى غطاء مسيحي عبر التفاهم مع حزب قوي.

قرار الفصل

وكانت اللجنة المركزية للإعلام والتواصل في “التيار الوطني الحر” أعلنت في بيان أنه “بناء على توصيتين صادرتين عن مجلس الحكماء في التيار برئاسة الرئيس ميشال عون الأولى بتاريخ 18/4/2024، والثانية بتاريخ 13/5/2024، وقع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل قراراً بفصل النائب آلان عون من التيار”. وبرر قرار الفصل بمخالفة عون النظام الداخلي للتيار مرات عدة وقرارات التيار وتوجيهاته، على المستويات السياسية والتنظيمية والإعلامية، ومنها عدم قبوله مراراً الإعلان عن التزامه قرار “التيار” في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في الـ14 من يونيو (حزيران) 2024.

وأشار البيان أيضاً إلى التوصية التي أصدرها مجلس الحكماء نفسه برئاسة الرئيس عون بتاريخ 26/7/2023، بفصل النائب بو صعب بعد مخالفته أحكام النظام الداخلي وعدم التزامه قرارات “التيار” وتوجهاته السياسية والإعلامية والتنظيمية، وبعد إقراره بتصويته المخالف لقرار “التيار” في جلسة مجلس النواب في يونيو الماضي.

المشكلة باسيل

المشكلة بدأت منذ عودة العماد ميشال عون من فرنسا عام 2005 حتى 2006 عندما استقال أعضاء كثر في “التيار” احتجاجاً على الأداء والتفرد بالقرار، واتهموا بخيانة القضية وبأنهم تمردوا على القيادة من أجل المراكز.

وشرح الناشط في “التيار” رمزي كنج، الذي كان من ضمن مجموعة التسعة التي وقعت على طلب العلم والخبر لـ”التيار” إلى جانب العماد ميشال عون واللواء إدغار معلوف، وكان صدر قرار فصله عام 2019، أن أساس المشكلة بدأت عندما أراد مؤسس “التيار الوطني الحر” نقل الحالة التي واكبته وتجييرها لشخص صهره النائب جبران باسيل، وهذا ما اعترض عليه الذين كانوا يمسكون بالتيار لمدة 15 عاماً في غياب عون. والاعتراض لم يكن على شخص باسيل حينها بل على عدم تمتعه بخبرة العماد عون ورؤيته وأفكاره “وهذا ما رفضناه لأن الثقة التي منحت للعماد عون لا يمكن أن تجير لأحد غيره حتى في غيابه خلال وجوده في فرنسا”.

وبقي هذا الموضوع قائماً منذ 2006 حتى انفجر الخلاف جدياً عام 2015 عندما جير الرئيس عون كل “التيار” إلى شخص باسيل من دون انتخابات داخلية مدعياً ألا مرشح ضده ولا معارضة، وأجبر باسيل الرئيس عون على تعديل النظام الداخلي وسحب النسخة الأولى من وزارة الداخلية واستبدل بها نسخته المنقحة التي تسمح لباسيل بصفته الرئيس المقبل لـ”التيار” أن يكون الآمر الناهي المطلق الصلاحية والمطلق التفكير والتنفيذ، وهذا ما اعترض عليه كثر وتسبب بخروجهم من التيار. وسأل كنج متوجهاً إلى باسيل “بأي حق تتهم آلان عون بعدم الامتثال إلى قرار انتخاب جهاد أزعور (مرشح لرئاسة الجمهورية)، وكيف تعرف أنه لم يمتثل؟ وهل صارت المحاكمة على النيات”. ويضيف مذكراً بعبارة كان يضعها الرئيس ميشال عون في غرفة الاجتماعات تقول “إن أسوأ من النمام من يتفاعل مع النميمة”.

مقولة الحزب الديمقراطي كذبة

وتابع كنج “أقبل أن يأتي باسيل ويقول عن التيار إنه حزب ديكتاتوري، لكن أن يكذب ويصف التيار بالحزب الديمقراطي الذي يتمتع بآلية واضحة للانتخابات والقرارات فهذا غير مقبول”. وأكد أن الأيام أثبتت أن أصحاب الخيار الآخر كانوا على حق خصوصاً أنهم حاولوا التغيير من الداخل لكن عندما رأوا أن الديمقراطية الداخلية معدومة وأن المشاركة في القرار مفقودة وأن إعطاء الرأي فولكلوري أو صوري فضلوا عدم السكوت. وشرح كنج أن باسيل يقرر ما يريده وينفذ الصفقات والسمسرات التي يريدها ويطيح اتفاقات وتحالفات وفقاً لمصالحه وعلى الباقين أن يتبعوه، وإذا تجرأ أحد منهم أن يتمايز في رأيه يتهم بمخالفة قرارات “التيار”، وعدم التزامها. وجزم ألا وجود لما يسمى مكتب سياسي لـ”التيار” يناقش ويأخذ القرارات بالتشاور وبالتصويت، بل هو هيئة فولكلورية تجتمع للصورة وتنتهي بتفرد باسيل بالقرارات المناسبة له. وكل ذلك تسبب، بحسب كنج، بما يشهده “التيار” منذ سبعة أشهر من انقسامات وطرد واستقالات، لأن أصحاب الرأي الذين يتمتعون بحيثية ولديهم آراؤهم رفضوا الاستمرار في تغطية قرارات باسيل العشوائية التي أدت إلى تراجع “التيار”، وسأل أيضاً، كيف يفسر باسيل الذي يستمر في القول إن “التيار” لا يزال الأقوى ويستخدم كل الشعارات الفارغة، التراجع المهول لشعبيته الذي أظهرته الانتخابات النيابية الأخيرة وكيف انتقل من تمثيل مسيحي ووطني بنسبة 53 في المئة إلى أقل من 23 في المئة.

اندبندنت

مقالات ذات صلة