قلق وسهر في آن: لبنان بين الحياة اليومية والاستعدادات للحرب!
ليست المرة الاولى حيث يلتقي نقيضان في لبنان: مناطق تستمر الحياة الصيفية فيها والنشاطات والاحتفالات، وأخرى تستعد للآتي من الأيام مع ما يتردد عن توسع الحرب، ومغتربون هنا وهناك يعيشون في حيرة البقاء او العودة إلى بلدان اغترابهم.
الطرقات في العاصمة بيروت ومداخلها شبه خالية، وحركة السير خفيفة من ظهر يوم السبت وطوال يوم أمس الأحد.
المقاهي في الواجهة البحرية ومنطقة بشارة الخوري والطرف السفلي للأشرفية شهدت حركة خفيفة من الرواد. وقال عامل مصري في مقهى «الفلمنكي» على الجهة الغربية لتقاطع بشارة الخوري – السوديكو إلى جانب «بيت بيروت» لـ «الأنباء»: «في مثل هذا الوقت كنا نجهد لتأمين كرسي لأحد الزبائن المعروفين من قبلنا. أما اليوم (عصر السبت)، فتقصر الحركة على بضعة أشخاص قصدوا المكان..».
أحاديث في بيروت عن تحذيرات من السفارات لرعاياها بضرورة المغادرة واتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر، وتعليق عدد من شركات الطيران رحلاتها من وإلى مطار بيروت الدولي، وإعادة البعض منها جدولة غالبية الرحلات، وعن نجاح أحدهم في تأمين مقعد للعودة إلى مقر عمله في دولة اجنبية.
احتاط عماد س. العائد من نيويورك واشترى تذكرة خاصة بالوصول إلى قبرص في حال إغلاق مطار بيروت، ليكون على مسافة كافية للوصول إلى لبنان بحرا او برا عبر سورية. عماد المعروف بـ«ابو يوسف» كان غادر قريته في المتن الشمالي بحرا في حرب يوليو 2006 في عملية إجلاء نظمتها السفارة الكندية التي يحمل جنسية بلدها. لكنه يعود اليوم للبقاء مع عائلته المكونة من زوجته وطفلهما.
أحاديث كثيرة عن حملات بحث عن مساكن بديلة لأهالي الضاحية الجنوبية في مناطق آمنة. وحكايات عن مضاعفة أسعار الشقق المفروشة ثلاث مرات وأربع، واشتراط أصحابها الدفع مسبقا لموسم لا يقل عن ثلاثة أشهر. وكلام عن «سوق سوداء» خاصة بتذاكر السفر في اتجاهي الوصول والمغادرة من بيروت واليها، ضمن حزمة «أفضليات» عرضت على الأشخاص القلقين.
محمد الذي يقطن في منطقة الكفاءات – المريجة في ضاحية بيروت الجنوبية، ويملك مع عائلته مؤسسة كبرى في التكنولوجيا والطباعة، استأجر شقة في الأشرفية بـ 7500 دولار لقاء ثلاثة أشهر. وقال لـ«الأنباء»: «وضعت المفتاح في جيبي، تمهيدا للمغادرة عند تطور الأمور نحو الأسوأ». مثله فعل كثيرون، والأسلوب واحد: الدفع مقابل الحصول على الأمن. فيما كثر الحديث عن «تجار الأمن» من مالكي الشقق المفروشة والوسطاء الذين طلبوا مبالغ غير مسبوقة في سوق العقارات. الا ان ذلك لم يلغ نخوة لبنانية اشتهر بها أهل «وطن الأرز»، بمبادرة قسم كبير إلى فتح بيوتهم الثانية في الجبال وخارج بيروت لأصدقاء ورفاق وبالمجان.
عادت إلى الاذهان صورة عدوان تموز 2006. حركة سير خفيفة في بيروت وضاحيتها الجنوبية، في مقابل زحمة خانقة على جسر «كازينو لبنان» في منطقة المعاملتين باتجاه بيروت، في وقت عودة رواد المسابح والمنتجعات إلى بيوتهم في ساعات متأخرة من العصر. وكذلك زحمة في أماكن السهر في مار مخايل والجميزة بالأشرفية والطريق البحرية الممتدة من جل الديب إلى ضبية، وصولا إلى جونية وجبيل والبترون.
قلق وسهر في آن. وبين الحالتين، ترقب عبر وسائل التواصل الاجتماعي لما تحمله الأخبار لبنانيا وإقليميا.
كل يوم بيومه، بين حرب قائمة منذ الثامن من أكتوبر، لكنها قد تتوسع في شكل كبير وتطول مناطق خارج الميدان التقليدي، وبين يوميات لابد ان تستمر لشعب اعتاد مواجهة الصعاب والتغلب عليها.
الأنباء الكويتية