الجيش اللبناني المؤسسة الصامدة الوحيدة وسط الغليان

تعيش المؤسسة العسكرية في لبنان التي تأسست منذ عام 1945 أصعب أيامها، إذ لم تسلم من تبعات الأزمة المالية والاقتصادية التي تعانيها البلاد، وعلى رغم ذلك بقيت المؤسسة الوحيدة الصامدة والمتينة والمتماسكة.

غابت هذا العام احتفالات عيد الجيش في الأول من أغسطس (آب) الجاري، فلا احتفال تخريج لدفعة جديدة من الضباط ولا احتفالات رمزية في الثكنات والمناطق، وحل مكانها شريط مصور وزعته مديرية التوجيه حمل عنوان “الجيش ضمان لمستقبلنا ضمان للبنان”، يتحدث عن ارتباط استمرار الحياة في لبنان والاستثمارات بوجود الجيش. أما أسباب غياب الاحتفالات فكثيرة، وأهمها استمرار الشغور في موقع رئاسة الجمهورية وتداعياته على كل المؤسسات والقرارات، ووقف التطويع في المؤسسات العسكرية والأمنية، إضافة إلى الحرب الدائرة في الجنوب والمؤثرة في مجمل الوضع العام. وتعيش المؤسسة العسكرية التي تأسست منذ عام 1945 أصعب أيامها، إذ لم تسلم من تبعات الأزمة المالية والاقتصادية التي يعانيها لبنان. ويتحدث كثر داخل المؤسسة العسكرية أن عنفوان العنصر في الجيش انكسر بعد اضطراره إلى العمل.

وظائف جانبية

بوظيفة جانبية كحارس أو منظم مواقف السيارات أو غيرهما من الوظائف التي يمكن أن تؤمن مدخولاً إضافياً على الراتب الشهري الذي يتقاضاه والذي لا يتعدى 70 دولاراً أميركياً، يعمل الجندي اللبناني إلى جانب دوامه العسكري بينما تسجل استقالات كثيرة وحالات فرار في بعض الأحيان بحثاً عن ظروف أفضل. وعلى رغم ذلك تمكنت المؤسسة العسكرية ولا تزال من القيام بمهامها في ضبط الأمن والمحافظة على الاستقرار، وبقيت المؤسسة الوحيدة الصامدة المتماسكة والمتينة على رغم افتقادها للإمكانات وعدم امتلاكها للقدرات، فلولا المساعدات الأميركية يكاد الجيش يكون من دون سلاح.

ولصمود الجيش في وجه كل الصعاب والتحديات أسباب عدة، أهمها بحسب العميد المتقاعد خليل الحلو أن “تجارب الانقسام السابقة لا تزال في أذهان العمداء والعقداء غير المستعدين لتكرار تلك التجارب، إضافة إلى استمرار شعور الأمان الذي تمنحه المؤسسة للعسكري والشعور بالانتماء”.

دولة بجيشين

من جهته، يعد الكاتب السياسي نقولا ناصيف أن “الجيش على رغم مشكلاته لا يزال المؤسسة التي يعول عليها في لبنان لكنه لا يحسد على الواقع الذي هو فيه بسبب جسامة أخطاء السياسيين الذين كما دمروا في السياسة والاقتصاد، دمروا في الأمن”. وأضاف ناصيف أنه “على رغم بعض العورات التي لها علاقة بالتدخلات السياسية والطائفية والمذهبية والتي غلبت فيها المحسوبيات على الكفاءات إلا أن الجيش لا يزال متيناً، لأنه مؤسسة قديمة ومتجذرة وقوية”. لكن ناصيف لا يغفل “عاملاً مهماً يتسبب بإضعاف الجيش يتمثل بوجود “حزب الله” الذي بات جيشاً بقدرات أقوى من الجيش اللبناني يحاول الأخير التعايش معه، لأن أية مواجهة بين الإثنين يمكن أن توصل إلى حرب أهلية”.
ومن جهته، يشير العميد المتقاعد خليل الحلو إلى “ازدواجية في استخدام القوة في لبنان”، معتبراً أن “حزب الله” يستخدم القوة في الداخل والخارج وبغطاء من سياسيين فضلوا الخضوع خدمة لمصالحهم على تطبيق الدستور وعلى تطبيق مفاهيم الدولة. كما أن الحزب لا يهتم بسيادة الدولة اللبنانية المفقودة نتيجة عدم حصرية السلاح بيد الجيش وقوى الأمن، وعدم امتلاكها لقرار استخدام القوة حيث يلزم استناداً للقانون. وسيادة الدولة المفقودة تتمثل أيضاً بتولي “حزب الله” جباية الضرائب على المعابر الشرعية وتفرده بعلاقات خارجية لا تضع مصلحة لبنان أولاً، انطلاقاً من علاقته بإيران التي تموله”، ما يعد بحسب الحلو “احتلالاً بالواسطة”. ويضيف الحلو “أمام هذا الواقع حيث تحل عناصر “حزب الله” مكان الجيش في أماكن عدة، من البديهي أن يسأل كل عسكري في المؤسسة العسكرية نفسه ما هو دوري؟ ولماذا أنا في الجيش؟ وهذا شعور مر وغير سليم ويمكن أن يتسبب على المدى البعيد بصدامات، فعندما يخضع الضابط في المدرسة الحربية لتدريبات تقوم على مبدأ أنه حامي الوطن، وأن السلاح يخضع للقانون وأن المؤسسة العسكرية تخضع للإمرة السياسية، ويرى أن السياسيين يضعون المؤسسة وراءهم ويعترفون بسلاح غير شرعي في البيانات الوزارية، فهذا أمر لن يرضى به العسكري لأنه يشعره بالإذلال لأن قيمته تجاه الناس ستتراجع”.

إقصاء الجيش عن دوره

وبحسب العميد المتقاعد عامر مشموشي “كان يفترض أن يكون الجيش اللبناني المسؤول الأول في التطورات الحدودية الميدانية مع العدو الإسرائيلي، لكن للأسف أقصي عن دوره نتيجة عوامل سياسية عدة”. وعمل البعض بحسب العميد المتقاعد إلى “إلهائه بالمماحكات والمشاغبات السياسية الداخلية لثنيه عن القيام بواجباته سواء كان ذلك عن حسن نية أو سوء نية”. ويعد أن “الجيش اللبناني حرم من التدريبات الضرورية لعناصره وضباطه ومن التجهيزات والتسليح ليتمكن من التصدي لأية اعتداءات، فباتت مهامه أمنية داخلية أكثر منها ضبط الحدود والدفاع عن الوطن. وبلغ تسليح الجيش اللبناني في الفترة السابقة أدنى مستوياته على رغم تقدم القدرات القتالية لعناصره وضباطه”. ويستذكر مشموشي محطات داخلية واجهها الجيش وكيف أنهك بالفصل بين المقاتلين على امتداد الحرب الأهلية وأقحم بمعارك منع الفتنة بين الأحياء والأزقة في بيروت وطرابلس وغيرهما من المناطق. ويعد أنه “كان يمكن أن يكون منتجاً أكثر لو سمح له أن يتفرغ أكثر للتدريب، ولو زود بالأسلحة النوعية المعتمدة لدى جيوش العالم كافة”.

ويعد العميد المتقاعد أن “الدور الأمني الداخلي الملقى على عاتق الجيش اللبناني مهم وأساسي لكن الدور الأول يبقى الدفاع عن الحدود اللبنانية، ولو كان فعلاً مكلفاً وكل القدرات متوافرة له ما كنا وصلنا إلى المأزق الذي نعاني منه اليوم نتيجة الصراع بين “حزب الله” وإسرائيل. إذ كان يفترض أن يكون الجيش منتشراً على طول الحدود الجنوبية لضبطها كما ينبغي تنفيذاً لاتفاق الهدنة المعقود بين لبنان والكيان الإسرائيلي منذ عام 1942″. ويعد مشموشي أن “ثمة ضرورة لإعادة الأمور إلى نصابها انطلاقاً من إعادة توزيع الأدوار كما ينبغي بأن يتفرغ الجيش اللبناني لحماية كل الحدود وخصوصاً الجنوبية. وهذا يتطلب تعزيز قدراته على كل المستويات”.

 

مقالات ذات صلة