إغلاق نادي “العهد” وتصفيته..حين يعادل “القرض الحسن” و”تعاونية السجاد”!
مشاكل "انفجرت في التوقيت الخطأ"
تعادل التسريبات عن الاتجاه لاغلاق نادي “العهد” لكرة القدم، وتصفيته، الإعلان عن إغلاق مؤسسة “القرض الحسن” مثلاً، أو “تعاونية السجاد”، أو أي مؤسسة اجتماعية أخرى أسسها “حزب الله”، وأمّنت استمراريتها بدعم مباشر منه أو من دونه.. فالنادي الذي حاز ألقاباً عديدة في بطولات “الدوري اللبناني” و”كأس لبنان”، وحاز كأس الاتحاد الآسيوي في 2019، يتخطى كونه نادياً رياضياً، إذ يضطلع بدور مؤسسة رياضية، تشبه الى حدّ بعيد مؤسسات اجتماعية أخرى دعم الحزب انطلاقتها، وباتت مرتبطة بجمهوره ومناصريه.
ورغم الجزم في وسائل الإعلام بتصفية النادي، لا يبدو هذا الأمر واقعاً. ارتفعت في الساعات الأخيرة احتمالات التراجع عن قرار تصفية النادي، إثر “تحركات أهل الخير من رجال أعمال ومسؤولين” بغرض تأمين ممولين له، بما يتيح له الاستمرار، حسبما تقول لـ”المدن” مصادر قريبة من النادي. وتشير إلى أن التحركات المدعومة من الجمهور ورابطة مشجعي النادي، يوم الجمعة، ستثمر خلال اليومين المقبلين لتأمين ما يوفر استمراره، مشيرة الى أن رئيس النادي نفسه، تميم سليمان، الذي استقال من منصبه، “ربما يعود الى جانب آخرين يقاسمونه الأعباء”، داعية الى انتظار بيان مفصل يحسم التكهنات والفرضيات.
بات مصير النادي، الشغل الشاغل لجمهور كرة القدم في لبنان، تلك اللعبة الأكثر شعبية، والأكثر توتراً، بوجود نوادي “ألتراس” تابعة لثلاثة منها (النجمة والأنصار والعهد).. فإقصاء “العهد” عن المنافسات، بقرار ذاتي، يعيد المنافسات الى حلقة “نجمة وأنصار”، ويعيد بلورة ستاتيكو فرض نفسه منذ العام 2010 على الأقل، ويفتح الباب لتكهنات كثيرة متصلة بأولويات “حزب الله”، ومساحة انتشاره في القطاعات والمؤسسات اللبنانية.
“العهد” الذي تأسس في الستينيات من القرن الماضي، في منطقة الأوزاعي، بات منذ صعوده الى الدرجة الاولى في العام 1996، موسوماً بقربه من “حزب الله”. يتشارك النادي مع الحزب لون رايته الصفراء، ونال دعم الحزب حين تولت رئاسته في تلك المرحلة، شخصية حزبية، هي أمين شري، الذي انتُخب لاحقاً نائباً في البرلمان اللبناني عن دائرة بيروت، وأُدرج في لوائح العقوبات الأميركية قبل سنوات قليلة.
تلك الرعاية، دفعت إلى مأسسة النادي الذي لم يعد مجرد فريق لكرة القدم، ينافس “النجمة” و”الأنصار” والصفاء” على البطولات المحلية. بات النادي الوحيد في لبنان الذي يمتلك أكاديمية غير مركزية، وله فروع في الجنوب والبقاع (شرق لبنان) إضافة الى أكاديميته في الضاحية الجنوبية لبيروت. ترفد الأكاديميات النادي بالمواهب الجديدة. يحتضن الملعب القائم على طريق المطار تلك المواهب المغمورة الآتية من الأطراف، ويختار النادي منها ما يعزز حضوره الكروي في البطولات المحلية والقارية.. وفي المقابل، باتت الإنجازات الرياضية والألقاب التي حازها، تجذب الأطفال والهواة والموهوبين الجدد، لأن جاذبية البطل، أقوى من كل إرث آخر.
على أن ذلك التطوير للنادي، ما كان ليحدث لولا خطة مأسسة يطبقها “حزب الله” على مختلف المؤسسات التي يدعمها أو يرعاها. تشبه رعايته الأولى في بدايات التسعينيات، رعاياته لمؤسسات اجتماعية أسسها، وتركها تنمو بمعزل عن تدخل مباشر له فيها، أو دعم مالي مباشر.
بذلك، لا يختلف “العهد” كثيراً عن “القرض الحسن” الذي لم يعد يحتاج الى دعم مالي مباشر منه، ولا “تعاونية السجاد”، أو “مستشفى الرسول الأعظم”، أو المؤسسات التعليمية، أو أي مؤسسة اجتماعية أخرى باستثناء المؤسسات الرعائية التي تحتاج الى إنفاق مباشر، مثل “مؤسسة الشهيد” أو غيرها. الرعاية المؤسساتية أثمرت بطولات، فجذبت متمولين ينفقون على النادي ويحصدون الألقاب، وكان آخرهم تميم سليمان.
هذا الواقع، تثبته الأزمة الأخيرة للنادي التي أدت الى استقالة سليمان. حين تمت مراجعة مسؤولين في “حزب الله” حول فرضية تصفية النادي، كانت الإجابة بأن بأن الحزب “لا يدعم النادي، وله أولويات أخرى في هذه الظروف، وفي مقدمها دعم النازحين من الجنوب وإعادة إعمار ما دمرته الحرب”، كما قالت مصادر مواكبة للأزمة الأخيرة لـ”المدن”، مشيرة إلى أن المسؤولين في الحزب قالوا لمراجعيهم: “قوموا بما ترونه مناسباً”، ففهموا بأن الحزب “ليس في وارد تمويل النادي في ظل الوضع الحالي”، في إشارة الى الإنفاق الحربي والملف الاجتماعي، خصوصاً أن الفريق “ليس تابعاً تنظيمياً للحزب”، ولو أنه “تحت خيمته، وحصل في السابق على رعايته”.
خلال السنوات الماضية، لم يرصد الحزب أي تمويل للنادي، حسبما تؤكد المصادر، لافتة الى أن الرعاية الأولى “لم تستمر لجهة التمويل”، وكان البديل الدائم عنها “مبادرات شخصية من اعضاء النادي وإدارته، ومن متبرعين آخرين معدودين”، وكان تميم سليمان في السنوات الأخيرة “يحمل النادي على عاتقه”، إلى حين لم يعد قادراً على القيام بالحِمل بمفرده.
وأي نادٍ رياضي، يستثمر في شعبيته وجماهيره العريضة، يفترض أن يحصل، بشكل أساسي، على عائدات مالية من جمهوره الذي يشاهده المباريات، فضلاً عن أموال حقوق البث المباشر للتلفزيونات والمنصات الرقمية. خسرت نوادي لبنان عائدات جمهورها، إثر القرارات التي اتخذها الاتحاد بإقامة مباريات من دون الجمهور، فيما لم تعادل حقوق البث المباشر جزءاً يسيراً من من حقوق بث كرة السلة مثلاً. يعاني “العهد”، شأن منافسيه مثل “النجمة” و”الانصار” و”الصفاء” من هذه المعضلة، وتُضاف الى مشاكل أخرى بين النادي نفسه والاتحاد، وهي مشاكل “انفجرت في التوقيت الخطأ”، ويعتبر النادي أن الاتحاد “لا ينصفه”… كلها دفعت باتجاه حل النادي وتصفيته.
في ظل هذا الوضع، تدور الاتصالات لتطويق الأزمة. فالفريق الذي يتمتع بقدرة مالية عالية مكنته من شراء أقوى اللاعبين في الدوري اللبناني، ويعد أكثر فريق يضم لاعبين أجانب، سيعيد انسحابه تشكيل المشهد الرياضي في لبنان، بدليل ما قاله رئيس نادي “النجمة” مازن زعني في “فايسبوك”: “ما يتردد عن انسحاب العهد، بحضوره البارز في البطولات المحلية والآسيوية، سيكون أمراً محزناً، وسيزيد أوضاع الكرة في لبنان تعقيداً، كما سيمثل عائقاً أمام تطور المنافسة في المسابقات المحلية”.
نور الهاشم- المدن