قصة دين المليار ونصف المليار دولار: لماذا طلب العراق أموالاً الآن بعدما كان رائجاً أنه سيقبضها خدمات؟
هل تكون الباخرتان الأخيرتان، فيول الختام؟
يتوجه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قبل نهاية الأسبوع إلى العاصمة العراقية لبحث اتفاقية النفط العراقي وأمور أخرى. ويجري حالياً ترتيب الوفد واللقاءات التي سيجريها ميقاتي الذي يطمح الى أن يعود ومعه خواطر عراقية راضية يكون قد وقف عندها في زيارته، في خطوة ربما يمحو فيها الاستياء الذي تسبّبه سوء التعاطي مع الحكومة العراقية في ملف النفط الثقيل.
الأهم في هذه الزيارة هو الاتفاق على جدولة أو swap الديون المتراكمة على لبنان لصالح العراق والتي فاقت المليار دولار، كيف سيسددها لبنان، سيولة أم خدمات؟
مصادر “المركزي” كشفت لموقع “لبنان الكبير” أن العقد الأولي وصلت قيمته إلى حدود الـ٧٠٠ مليون دولار، سحبت كمية النفط كلها من دون سداد، وراكم ديناً على لبنان لحساب المصرف المركزي العراقي بقيمة ٥٣٠ مليون دولار (الاتفاقية تقضي بحسم ١٥٪ من المبلغ) أودعتها الحكومة في المصرف المركزي كديون، غير معروف طريقة سدادها.
ثم طلب مؤخراً وزير الطاقة وليد فياض ٧٠٠ مليون دولار إضافية، فسأله حاكم “المركزي” وسيم منصوري: “هل لديك قانون؟”، أجاب: “لا”. فرد عليه منصوري: “لا يمكن لك أن تستدين من دون قانون”. وهنا تكمن الخطورة، فلنفترض أن مجلس النواب أصدر له قانوناً بالاعتماد المطلوب، كيف ستسدد الحكومة المليار و٤٠٠ مليون دولار، أي نصف موازنة الدولة البالغة ٣.٤ مليارات دولار؟ من أين ستأتي بالأموال، ومعروف أن ما تجبيه مؤسسة “كهرباء لبنان” لا يتجاوز الـ٢٠ مليون دولار والجباية هي لتشغيل المعامل وليس لدفع الفيول العراقي؟
لماذا طلب العراق أموالاً الآن بعدما كان رائجاً أنه سيقبضها خدمات؟
سمع المعنيون بهذا السؤال واستغربوا كأنهم في لالا آيلاند، وأجمع معظمهم على أن العراق يتبرع بهذه الكميات ولا يطلب أموالاً إنما خدمات. وعندما تسلم منصوري ورقة موقعة بهذا الأمر فوجئ بجواب العراقيين أن الاتفاق لم يكن هكذا، وهم لم يتنازلوا عن أموالهم لأنها أموال الشعب العراقي، وكانوا يطلبون دائماً أن تسجل المبالغ في حسابهم. وفي المراسلة الأخيرة بين الحكومتين اللبنانية والعراقية قبل وقوع أزمة الباخرتين، أكدت الحكومة العراقية لوزارة الطاقة أن هذه المبالغ متراكمة ويجب البدء بتسديدها.
هكذا تسير وزارة الطاقة في إدارة الملف وكأن لم يمر عليها لا أزمة ولا ثورة ولا افلاس ولا انهيار سببه الأساسي الكهرباء ولا من يحزنون. وعلت الصرخة أكثر عند وصول أصداء إلى الحكومة العراقية بأن وزارة الطاقة تشتري الفيول من السوق الحرة وتجري مناقصات من دون أي التفات الى الالتزامات العراقية. وأكدت مصادر “المركزي” لـ “لبنان الكبير” أن المصرف لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد وهو غير معني بديون الطاقة، كاشفة أن حوالي ٢٠ كتاباً أرسلها المصرف إلى وزارة الطاقة وعلى مدى ستة أشهر لتحذيرها من تراكم الديون، من دون مسوغ قانوني، والوزارة مستمرة في النهج نفسه أي الاستدانة من دون أي رؤية وبصورة غير قانونية وضبابية وغير مفهومة، وحتى إذا حصل فياض على قانون فمن أين ستدفع الأموال؟
مصدر حكومي بارز أكد لـ “لبنان الكبير” أن العراقيين لا يريدون المبلغ برمته إنما يطلبون تحريك الحساب ولو وضع فيه مبلغ بسيط من المبالغ المتراكمة، وأخذوا تعهداً من ميقاتي والحكومة بوضع مبلغ على أن لا يسحب مباشرة وكاملاً لكي لا يؤثر على الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية فتهز سعر الدولار.
وأشار المصدر إلى أن العراقيين لن يعقدوا كثيراً الأمور لكنهم لن يقبلوا باستمرار التعاطي معهم على الشاكلة نفسها، وكان يفترض أن تقيم الحكومة منصة معنية بموضوع الخدمات التي وعد لبنان بمبادلتها مع وزارة المال العراقية مقابل الفيول، وكالعادة تصرفنا بقلة مسؤولية واستهتار ولامبالاة على الطريقة اللبنانية، علماً أن الدولة الوحيدة التي ساندت لبنان ووقفت إلى جانبه في موضوع الكهرباء خلال السنوات الخمس الماضية هي الدولة العراقية. وعوّل المصدر على حسن العلاقات بين الدولتين، متوقعاً أن لا يقف أحد عند تفاصيل الاتفاقية إنما يكفي وضعها على السكة الصحيحة مع حسن سير التواصل واحترام مستحقات العراق.
ميقاتي سيحاول ترميم ما تسببت به وزارة الطاقة والتعاطي الحكومي مع العراقيين، وبالتأكيد سينجح في أسلوبه الودي والذكي، لكنّ السؤال يبقى ماذا لو أصر العراق على استرداد مستحقاته التي فاقت المليار دولار؟ فهل تكون الباخرتان الأخيرتان، فيول الختام؟
ليندا مشلب- لبنان الكبير