محادثة باسيل وفرنجية خلال لقاء بكركي: ما هي دلالاتها ورسائلها؟

أثار الدهشة والكثير من التساؤلات، جلوس رئيس “التيّار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل ومرشّح “الثنائي الشيعي” لرئاسة الجمهورية رئيس “تيّار المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية، ، جنباً الى جنب خلال اللقاء الجامع السياسي والروحي الذي أقامه البطريرك الماروني الكاردينالمار بشارة بطرس الراعي امس ، في حضور موفد البابا فرنسيس، أمين سرّ حاضرة الفاتيكان بييترو بارولين في الصرح البطريركي. ولفت الأنظار أنّ الرجلين اللذين تبادلا أطراف الحديث مرّات عديدة خلال اللقاء، استكملا تخاطبهما على مأدبة الغداء التي أقيمت تكريما لبارولين، رغم مقاطعة المجلس الإسلامي الشيعي للقاء، الذي أرادته بكركي ذا طابع وطني سياسي وروحي. وقد شارك فيه جميع رؤساء الطوائف المسيحية والمسلمة الأخرى.

ومع توسيع بكركي مروحة الدعوات لتشمل عدداً من القيادات من الصفّ الأول، لا سيما الأقطاب الموارنة الأربعة، لبّى الدعوة كلّ من باسيل وفرنجية، في حين تمثّل رئيس حزب “القوّات اللبنانية” سمير جعجع بالنائب بيار بو عاصي، ورئيس حزب “الكتائب اللبنانية” سامي الجميل بالنائب نديم الجميّل.

وتقول مصادر سياسية مطّلعة انّ لقاء بكركي الجامع، شكّل فرصة سانحة للقاء الأقطاب الأربعة، غير أنّ جعجع والجميّل فضّلا عدم المشاركة فيه. ويدلّ هذا الأمر على بقائهما على موقفهما الرافض للحوار قبل الذهاب لانتخاب رئيس الجمهورية في جلسات مفتوحة ودورات متتالية في مجلس النوّاب.

أمّا التقارب الذي حصل بين باسيل وفرنجية، وفاجأ الجميع، فتعزوه المصادر نفسها، الى التقارب الذي حصل أخيراً بين باسيل ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي. وأشارت الى أنّ رئيس “الوطني الحرّ” سبق وأن أعلن في كانون الثاني الماضي أنّه “لن ينتخب لا سليمان فرنحية ولا جوزف عون (قائد الجيش)”. غير أنّه فاوض وقتذاك “الثنائي الشيعي”، مشيراً الى أنّه لن يغير رأيه، إلّا في حال واحدة “إذا أعطونا اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة والصندوق الائتماني والاتفاق على برنامج الحكم في العهد الجديد، عندئذٍ أمشي في كليهما”. وشدّد في الوقت نفسه على أنّ البندين الأولين هما أكثر أهمية بالنسبة اليه، حتى من فرنجية وعون، وأنّه عندما طالب بهما لم يمانع “الثنائي الشيعي”، لكنه أكّد لباسيل أنّ “تنفيذهما دونه صعوبات”.

فهل زالت هذه “الصعوبات” اليوم، على ما تساءلت المصادر السياسية، مع تحقيق حزب الله الإنجازات عند الجبهة الجنوبية، الأمر الذي يجعله قادراً على الإتيان برئيس الجمهورية، وعلى “فرضه” بمعية باسيل على بقية الأطراف السياسية؟! وإلّا فما الذي جعل باسيل الرافض لانتخاب فرنجية لاعتبارات عديدة، يسايره خلال لقاء بكركي الجامع؟ وما هي الرسائل التي يودّ إرسالها من هذا الأمر الى الأطراف الأخرى في الداخل والخارج؟ وهل شاء باسيل إظهار قربه من فرنجية على طريقة “عم بحكيكي يا جارة لتسمعي يا كنّة”؟ أم أنّه فعلاً بات قريباً من الموافقة على انتخاب فرنجية رئيساً لأنّ البلد لم يعد يستطيع أن يُكمل من دون رئيس، لا سيما في المرحلة المقبلة التي ستكون دقيقة جدّاً؟!

وترى المصادر أنّ باسيل الذي قام أخيراً بحَراك داخلي تجاه الأطراف السياسية الأخرى، تزامناً مع حَراك “اللقاء الديموقراطي”، أراد تحريك الجمود القائم في الملف الرئاسي، ما يعني أنّه بات جاهزاً للمزيد من التفاوض على اسم الرئيس. ويمكن القول انّ فرنجية الذي حصل على 51 صوتاً خلال الجلسة الـ 12 لانتخاب الرئيس التي عُقدت في 14 حزيران من العام الماضي، على ما ذكّرت المصادر ذاتها، من دون أصوات تكتّل “لبنان القوي” الذي قرّر يومذاك التقاطع مع قوى المعارضة على مرشحها الوزير السابق جهاد أزعور، يحتاج الى 14 صوتاً ليحوز الـ 65 صوتاً، وهذه الأصوات تأتي به رئيساً في الدورة الثانية والدورات اللاحقة، في حال أعطاه إيّاها تكتّل باسيل. ولكن لا بدّ من تحقيق النصاب القانوني للجلسة أولاً في الدورة الأولى والدورات اللاحقة وهو 86 صوتاً، ولكن من يضمن عدم مقاطعة أي جلسة نيابية مقبلة من قبل قوى المعارضة، لا سيما المسيحية منها، إذا أصرّت على عدم الذهاب الى التشاور أولاً قبل الذهاب الى مجلس النوّاب لانتخاب الرئيس؟!

من المعلوم أنّ شرط التشاور الذي جرى تحديده بأيّام معدودة، على ما أضافت المصادر، حتى لو لم يحصل الاتفاق على اسم رئيس الجمهورية المقبل، هو الذهاب الى جلسات مفتوحة للانتخاب بدورات متتالية وعدم الانسحاب، بهدف تعطيل النصاب القانوني من قبل جميع الكتل النيابية. ولهذا فإنّ موافقة قوى المعارضة على التشاور تبقى أساسية لكي تسير بنود مبادرة تكتّل “الاعتدال الوطني، التي أيّدها برّي كما “اللجنة الخماسية”، على السكّة الصحيحة نحو انتخاب الرئيس.

من هنا، فإنّ المحادثة التي حصلت بين باسيل وفرنجية، تراها المصادر ذاتها، في وقتها المناسب، ولا بدّ وأن يحصل مثيلها مع كلّ من جعجع والجميّل. فانتخاب الرئيس لن يحصل إذا بقي كلّ طرف متمسّكا بموقفه، ولا يريد الانفتاح على الطرف الآخر حتى ضمن الطائفة نفسها. فكيف إذا بقيت العلاقات بين الطوائف المسيحية والمسلمة على تشنّجها في البلاد؟ ففي أي سنة عندئذ سيحصل انتخاب الرئيس؟ وكيف يمكن للبلد أن يصمد في وجه كلّ التحديات والتهديدات “الإسرائيلية” بشنّ حرب موسّعة عليها؟!

الديار

مقالات ذات صلة